منصة الرشيدية ... للراغبين في زيارة الرشيدية و النواحي

تعريف مفصل عن النهج الجغرافي وخطواته

النهج الجغرافي وخطواته
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-تعريف النهج الجغرافي :
هو عبارة عن " عمليات فكرية يتم من خلالها تسليط الضوء على الظواهر المجالية باعتبارها منتجا اجتماعيا يترجم العلاقات الاجتماعية من خلال الممارسة المجالية ومختلف أشكال الإنتاج، إضافة إلى عمليات هيكلة المجال، ذلك؛ برصد ميكانيزماته والقوى الفاعلة في ذلك." وبذلك فهو عملية يتم من خلالها إدراك المنبهات التي تسمح بتحديد مورفولوجية، حركة ومكان الظواهر. فما هي العمليات الفكرية التي هذا النهج؟
-خطوات النهج الجغرافي
رغم اختلاف التوجهات الإيديولوجية والعلمية للباحثين في ابيستيمولوجية الجغرافيا، فإنهم يجمعون على ارتكاز النهج الجغرافي على أربع خطوات، هي : الملاحظة، الوصف فالتفسير قم التعميم.
أولا: الملاحظة:
هي عملية ذهنية- بصرية تقوم على معاينة الظاهرة المدروسة على جميع المستويات( الشكل، الحركة، التوطين...)، بذلك فهي تشكل الخطوة الأولى في أي عمل جغرافي ممهدة الطريق أمام العملية الثانية، أي الوصف، التي تحدد معالم الظاهرة وخصوصياتها المجالية. فما المقصود بالوصف؟
ثانيا: الوصف:
هو " عملية فكرية قديمة قدم الجغرافيا، كانت تهيمن على العمل الجغرافي منذ ظهور هذا العلم في حلته الأدبية إلى غاية القرن التاسع عشر. ورغم بقائه الركيزة الأساسية للإنتاج الجغرافي فانه عرف تطورا هائلا؛ فبعد أن كان خلال العصور القديمة والوسطى هدفا في حد ذاته، أصبح الآن في خدمة عمليات أخرى هي التفسير والتعميم الجغرافي. "
مر الوصف الجغرافي بثلاثة مراحل متكاملة في تطوره عبر التاريخ، هي:
الوصف الموسوعي: On encyclopédique: اهتم بوصف المناخ والتضاريس، تاريخ المجتمعات البشرية، أنظمة الحكم، العادات...وقد أدخل هذا الوصف مفاهيم الشكل، التطور، الأبعاد، والتدرج على كل ظاهرة جغرافية موصوفة، إلا أنه تميز بتشتيت الموصوف وهيمنة البعد الأدبي في وصف الظواهر، بالتالي ربطها بحتمية قوية للوسط الطبيعي على الإنسان.
الوصف القياسي أو الاستدلالي: On raisonnée : هو عملية تتم عبر صيرورة من التحليل والتركيب، تهدف إلى إدراك المنبهات التي تسمح بتحديد مورفولوجية ومكان وحركة الظواهر الجغرافية، هذا هو واقع الجغرافيا الحالية في حلتها العلمية القائمة على منهج واضح الخطوات وأكثر فعالية ونجاعة في معالجة الظواهر، تفسيرها ثم التنبؤ بمستقبلها.
من خصائص هذا التعريف، حسب صاحب هذا التقسيم الأستاذ محمد زكور، أنه يربط الوصف بالمفاهيم المهيكلة للخطاب الجغرافي( المورفولوجية، الحركة، التوطين) ، ويحدد بدقة الجوانب التي ينكب عليها الوصف ونوع المعالجة الفكرية التي تنحصر في إبراز الأشياء من حيث هي كذلك دون تفسيرها، إضافة إلى اكتشاف مبادئها، لأن ذلك من اختصاص عمليتي التفسير والتعميم.
تمر عملية الوصف بمرحلتين أساسيتين هما:
• المرحلة التحليلية: تعنى برصد المعطيات، وهذا يقتضي اكتشاف العناصر عن طريق الملاحظة والمقارنة، بالتالي يتم الاقتصار خلال هذه المرحلة على تعداد العناصر وتصنيفها ثم ترتيبها.
• المرحلة التركيبية: لا يقتصر الوصف خلال هذه المرحلة على استعراض مكونات الكيان وتعدادها فقط، بل يتعداها إلى وضع خطاب ذو معالم جغرافية تحدد بدايته ومراحله ومحتواه ويجب أن يضم هذا الخطاب المفاهيم المناسبة للموضوع ووسائل تعبير ملائمة.
مع هذا التصنيف يصعب وضع ضوابط قطعية للوصف الجغرافي، نظرا لتدخل مجموعة من العوامل في توجيهه، وهذه العوامل غالبا ما يصعب ضبطها.
عموما فان الوصف بمرحلتيه هو ليس غاية بحد ذاته، إنما هو وسيلة تمهد لتفسير الظواهر وتحليلها، إضافة إلى دورها المركزي في بناء الفكر والمنطق.
ثالثا: التفسير الجغرافي:
عرفت الجغرافيا عدة تحولات مع بداية القرن العشرين على مستوى التوجهات، حيث لم يعد العمل الجغرافي يقتصر على الوصف وترتيب الظواهر، بل تعدت ذلك الى تفسيرها عبر الاهتمام بالعمل أو العوامل المسببة في نشوء الظاهرة الجغرافية المعنية، أو الصفات التي تحملها من حيث المورفولوجيا، الحركة والتوطين.
فالتفسير الجغرافي هو " عملية فكرية يتم بمقتضاها توضيح السبب أو الأسباب التي أدت إلى وجود ظاهرة مجالية ما، أو مواصفات تلك الظاهرة المعنية " من حيث شكلها وتوطينها وكذا ديناميتها الذاتية ثم حركتها في المجال.
إذا كان هذا هو التعريف الحالي للتفسير الجغرافي، فان الجغرافيين الأوائل لم يعطوا مفهوما موحدا لهذا المصطلح بسبب اختلاف توجهاتهم وانتماءاتهم للمدارس الجغرافية التي كانت سائدة ورائدة في هذا المجال، ونظرا لاختلاف زوايا النظر لدى كل باحث، كل حسب الفرع الجغرافي الذي يشتغل في إطاره ( جغرافيا اقتصادية، سياسية...).
ما يستنتج من هذا التعريف أنه ينكب على دراسة ظاهرة جغرافية ملموسة، فهو يبحث في نوع العلاقة التفاعلية بين العناصر المشكلة للظواهر من جهة، وعلاقة الظاهرة المعنية بباقي الظواهر، إضافة إلى علاقتها بالمجال الذي توجد به. لهذا فان أصناف التفسير الجغرافي كثيرة ومتنوعة.
رابعا: التعميم الجغرافي:La généralisation géographique
هو " عملية فكرية يتم بمقتضاها وضع أو استعمال أجهزة نظرية تضيء سبل الوصف والتفسير الجغرافيين ." وهي عملية تهدف إلى تقنين التفسير بمقارنة العوامل المتحكمة في الظاهرة المدروسة بالتي حدثت في ظروف مشابهة. والتعميم نوعان؛ الأول يعنى بصقل المفاهيم المستعملة في تحديد الظواهر الجغرافية، أما الثاني فيعنى بوضع إطارات مرجعية تخدم الوظيفة التفسيرية للمادة الجغرافية:
التعميم الخاص بالمفاهيم: يقوم على تعريف مفاهيم معينة لها خصائص موحدة، فهو ينكب على استيفاء المنبهات التي تدخل في تركيب المفاهيم المستعملة في تحديد الكيانات الجغرافية( مثلا مفهومي الزراعة البورية والزراعة السقوية، فالتمييز بين المفهومين تم بالاعتماد على مصدر المياه...).
التعميم المرتبط بالتفسير:يهتم هذا النوع بوضع نظريات وقوانين قصد إبراز العوامل التي تتحكم في ظاهرة أو مجموعة من الظواهر المجالية، وتستند عملية التعميم هاته في بعدها التفسيري على تفسير العديد من الظواهر الطبيعية والبشرية. كما يتم التمييز في هذا التعميم بين نوعين: أولهما؛ التعميم التفسيري على مستوى المبادئ، أما الثاني فهو التعميم التفسيري على مستوى النظريات التي تتطلب تجريبها في دراسات ملموسة للتأكد من نجاعتها ووظيفيتها.
كيف نعمم الأسباب المفسرة لظاهرة على ظاهرة أخرى لها ظروف مشابهة للأولى؟
منهجية التعميم الجغرافي:
لم توجد بعد منهجية مكتملة وتامة تحدد كيفية تحقيق عملية التعميم الجغرافي، لكن هناك إشارات عامة حول ذلك. من ذلك ما يقترحه الدكتور " محمد زكور " ، الذي يقول بان التعميم يتم عبر مرحلتين: مرحلة بناء العتاد النظري للتعميم، ثم مرحلة تطبيق هذا العتاد.
أ‌- مرحلة بناء العتاد النظري: L’ élaboration d’un matériel théorique 
يفترض فيه أن يكون العتاد السابق أو القديم قد تم تطبيقه بشكل سليم مع وجود نقائص واضحة فيه تستدعي التجديد والإصلاح ، ثم بناء نظرية جديدة ، كما حددها الدكتور زكور، عبر المراحل التالية:
تحديد المجال الذي طبق فيه العتاد النظري السابق.
البرهنة على أن العتاد السابق غير قابل كلا أو جزءا للأجرأة في المجال، بالتالي تفرض ضرورة الاطلاع على كل النظريات التي من شأنها أن تكون جزء منها أو كلها كقاعدة لدراسة الظاهرة الجغرافية المعنية بالدراسة.
تحديد مكونات العتاد النظري، الذي يضم المفاهيم المهيكلة، المحددات... ويشترط في تقديم هذا العتاد وضوح اللغة ودقة التعبير.
تجربة العتاد النظري على حالات مستقاة من مجال الدراسة، مما يسمح بتدقيق المفاهيم ووضع حدود النظرية.
ب- تطبيق العتاد النظري: L’application d’un matériel théorique
يتطلب وضع وتحديد معايير واضحة لمعرفة الظواهر، وتمر عملية التطبيق بدورها بأربعة خطوات:
الاستكشاف: تحديد مجال الدراسة.
التحليل: تقوم بالأساس على التعميم على الصعيد المفاهيمي، يتطلب التمكن من المفاهيم المهيكلة للمجال الجغرافي قيد الدراسة.
التطبيق: تعتمد على التعميم على مستوى المبادئ. تقتضي التمكن من مختلف المبادئ التي تهم المجالات الجغرافية لتفسير الظاهرة قيد الدرس.
التركيب: يتم خلالها التأكد من مدى صلاحية النظرية وصحته، فن كانت صحيحة تعمم، وان كانت فيها نقائص تصحح ثم تعمم بعد ذلك.



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-